A visual representation of a digital twin in the construction industry.لطالما اعتمدت صناعة البناء على النماذج الورقية والرسومات ثنائية الأبعاد، مما كان يزيد من احتمالية حدوث الأخطاء والتباين بين المخططات وما تم تنفيذه في موقع المشروع ومع التطور المتسارع في مجال التكنولوجيا والتقنيات الرقمية، يشهد قطاع البناء والتشييد تقدمًا هائلاً يعزز من أداء هذه الصناعة الحيوية.

ومن بين تلك الابتكارات التوأم الرقمي والذي يُعد نقلة نوعية في كيفية تخطيط وتنفيذ المشاريع الإنشائية، إذ تسهم التوائم الرقمية بشكل كبير في تحسين جودة البناء وزيادة كفاءة عمليات البناء، فبفضل هذه التقنية المبتكرة، أصبح بإمكان المهندسين والمقاولين وجميع العاملين في هذا المجال الاعتماد على نماذج ثلاثية الأبعاد متطورة ودقيقة لتجسيد تفاصيل المشروع بدقة فائقة والعمل على إزالة أي عوائق محتملة قبل بدء عمليات البناء.

في هذا المقال، سنستكشف تقنية التوأم الرقمي ودورها في تطوير صناعة البناء والتشييد، وكيف تساهم هذه التقنية في تحسين جودة التصميم والبناء، وتعزيز الاستدامة البيئية والسلامة في مواقع البناء، بالإضافة إلى تحسين الكفاءة الإنتاجية وخفض تكاليف مشاريع البناء.

ما هو التوأم الرقمي؟

يُعرف التوأم الرقمي بأنه نموذج رقمي دقيق يُمثل منتجًا أو نظامًا فعليًا بكل تفاصيله ومكوناته لمحاكاة سلوكه وأدائه في العالم الحقيقي بطريقة ثلاثية الأبعاد. وباستخدام تقنيات الاستشعار والنمذجة ثلاثية الأبعاد، يمكن للتوأم الرقمي أن يتفاعل مع نظيره الفعلي في الوقت الحقيقي. وفي صناعة البناء، يُعَدُّ التوأم الرقمي أداة حيوية تُمكِّن من إنشاء نماذج افتراضية شاملة تضم كافة التفاصيل المعقدة للمبنى أو الهيكل المعماري المخطط بناؤه.

تتيح هذه التقنية للمعماريين والمهندسين وشركات المقاولات العمل على إنشاء نسخة رقمية دقيقة للمشروع قبل بدء عمليات التنفيذ الفعلية، وذلك لتحليله واختباره وتحديد أي نقاط ضعف قبل أن تظهر في العالم الحقيقي. وبفضل دقة التفاصيل في التوأم الرقمي، يُمكن اتخاذ قرارات مستنيرة واستراتيجية في عمليات التصميم والبناء، مما ساهم في تحسين الجودة والحد من المخاطر المحتملة بالإضافة إلى خفض التكاليف في المشروعات الإنشائية.

فوائد استخدام التوائم الرقمية في مشاريع البناء

تقدم تقنية التوأم الرقمي في صناعة البناء مجموعة واسعة من المزايا والفوائد التي تؤدي إلى تحسين كفاءة وجودة المشاريع الإنشائية حيث تقدم مستويات منقطعة النظير من الدقة والدقة لم يكن من الممكن تحقيقها من قبل. يساهم التوأم الرقمي في تحسين التخطيط والتصميم، تعزيز التواصل والتعاون بين فِرق العمل المختلفة، ومراقبة الأداء، وتحسين الصيانة، وتعزيز السلامة والأمان في مشاريع البناء بالإضافة إلى خفض التكاليف.

تحسين التخطيط والتصميم: يسمح استخدام التوائم الرقمية لشركات البناء والمقاولات بتخطيط المشروع بشكل أكثر دقة وتفصيلًا. يمكن رؤية المشروع بالكامل ثلاثي الأبعاد قبل بدء التنفيذ، مما يساعد في اكتشاف المشكلات المحتملة والتصحيحات اللازمة مُسبقًا والتعديلات على التصميم وبالتالي تجنب التكاليف والتأخيرات الناجمة عن تعديلات في مراحل متأخرة من التنفيذ.

تحسين إدارة المشاريع: من أهم الفوائد التي توفرها التوائم الرقمية في مجال البناء، حيث تُقدم هذه التكنولوجيا نظرة عامة شاملة على مشاريع البناء وتسمح لمديري المشاريع بتحديد المشكلات المحتملة بشكل استباقي. من خلال محاكاة مختلف سيناريوهات البناء وتقييم جدواها مسبقًا، تضمن التوائم الرقمية أن البناء المادي يتوافق مع الأساليب المثلى.

مراقبة الأداء: بعد بدء التنفيذ، يمكن استخدام التوائم الرقمية لمراقبة أداء المشروع في الوقت الحقيقي. يتم ربط بيانات مستشعرات الأنظمة المادية بالتوأم الرقمي لتتبع التغييرات والتطورات والتحسينات اللازمة أثناء التشغيل.

تحسين التواصل: يُسهم التوأم الرقمي في تحسين التواصل بين فِرق العمل المختلفة في المشروع. يمكن للجميع الوصول إلى النموذج الرقمي ومشاركة المعلومات، مما يسهل عملية التعاون ويحد من حدوث السوء في التواصل.

التعاون عن بعد: في عمليات البناء التقليدي، يُطلب عادةً من المهندسين المعماريين والمهندسين ومديري المشاريع التواجد فعليًا في نفس الموقع، ولكن باستخدام التوأم الرقمي يمكن إزالة الحواجز الجغرافية والعمل معًا من مواقع مختلفة مما يساهم في توفير الوقت والتكلفة إلى جانب الاستفادة المُثلى من الموارد البشرية.

تحسين كفاءة الأصول: تساهم التوائم الرقمية في تحسين كفاءة الأصول المادية في قطاع البناء، بما في ذلك الرافعات والحفارات وغيرها من المعدات. بفضل استخدام بيانات المستشعرات لمراقبة عمليات المعدات، يُمكن التنبؤ بدقة بمتطلبات الصيانة وتجنب فترات التوقف المكلفة مما يُسهم في تحقيق خفض تكاليف الصيانة والتكاليف الناتجة عن فترة التوقف.

تحسين السلامة والأمان: يمكن استخدام التوائم الرقمية لمحاكاة الظروف الخطرة واختبار سيناريوهات الطوارئ، والاستفادة من تحليل البيانات، مما يُسهم في تقليل المخاطر بفعالية وتحسين السلامة والأمان في موقع مشروع البناء.

باستخدام تقنية التوأم الرقمي، يُمكن تسليم مشاريع البناء بجودة عالية في الوقت المحدد وضمن حدود الميزانية المخصصة.

التحديات أمام استخدام التوائم الرقمية في البناء

على الرغم من فوائد التوائم الرقمية في صناعة البناء والتشييد والتوسع في استخدامها إلا أنها تواجه بعض التحديات مثل:

التكامل مع الأنظمة الحالية: تستخدم شركات البناء تقنيات مثل نمذجة معلومات البناء BIM وأدوات إدارة المشاريع للإشراف على مشاريعها، ولدمج التوائم الرقمية يتطلب تكاملاً سلسًا مع الأنظمة الحالية والذي قد يشكل تحديًا أمام شركات المقاولات بسبب اختلاف تنسيقات البيانات وبروتوكولات الاتصال، ولكن باستخدام المعايير المفتوحة وواجهات برمجة التطبيقات يمكن تحقيق التكامل.

إدارة البيانات: تعتمد فعالية التوأم الرقمي بشكل كبير على جودة البيانات ودقتها. قد يكون من الصعب جمع كميات كبيرة من البيانات من مصادر مختلفة وإدارتها، لكن باستخدام خوارزميات التعلم الآلي وأدوات جمع البيانات الآلية يمكن تبسيط هذه العملية، وتسريع إنشاء التوأم الرقمي.

استثمار أولي مرتفع: يتطلب تطوير التوأم الرقمي استثمارات كبيرة في التكنولوجيا والبنية التحتية. يتضمن ذلك تكاليف أجهزة الاستشعار والبرامج وتخزين البيانات والمزيد. بالنسبة للعديد من الشركات، وخاصة الشركات الصغيرة، يمكن أن تكون هذه التكلفة الأولية عائقًا، ولكن بالنظر إلى عوائد الاستثمار “ROI” في استخدام التوأم الرقمي، يمكن لشركات البناء توفير التكاليف من خلال الحد من الأخطاء وعيوب البناء، وتحسين الجودة وتبسيط العمليات.

نقص المعرفة والخبرة: غالبًا ما يكون هناك نقص في فهم مفهوم التوائم الرقمية وفوائدها وكيفية تنفيذها بفعالية. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون هناك نقص في المهنيين المهرة الذين يمكنهم التعامل مع التوائم الرقمية، ويمكن التغلب على ذلك من خلال توفير التدريب والدعم الكافيين من خلال ورش العمل والبرامج التعليمية والدورات التدريبية.

على الرغم من هذه التحديات إلا أن العديد من شركات البناء تستثمر في هذه التقنية نظرًا لقدرتها على تعزيز الكفاءة والفاعلية في تخطيط المشاريع وتنفيذها وصيانتها. تظل التوائم الرقمية خيارًا مبتكرًا يعد بمستقبل مشرق في تحسين صناعة البناء وتطورها نحو المزيد من التقدم والتحسين.

تطبيقات عملية للتوائم الرقمية في صناعة البناء

أصبحت التوائم الرقمية واحدة من التقنيات الحيوية في صناعة البناء حول العالم لما تقدمه هذه التكنولوجيا من إمكانيات فريدة في محاكاة وتحسين عمليات البناء، مما يساهم في تحسين الكفاءة والجودة وتقليل التكاليف، ومن بين المشاريع التي اعتمدت التوائم الرقمية:

مشروع نيوم

نيوم أحد المشاريع التنموية الرائدة ضمن روية المملكة العربية السعودية 2030 بميزانية تصل إلى 500 مليار دولار أمريكي وتقع في شمال غرب المملكة، وتشمل عدة مشاريع مثل سندالة وأوكساجون بالإضافة إلى مشروع “ذا لاين” والمخطط له أن يكون مدينة ذكية صديقة للبيئة بطول 170 كم وعرضها يبلغ 200 م بارتفاع 500 متر عن سطح البحر تعتمد على أحدث التقنيات الحديثة في كافة مجالات الحياة وتنفرد بخلوها من السيارات والانبعاثات الكربونية، ومن المتوقع استخدام توائم رقمية ديناميكية تجمع بين العمارة الحديثة والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا ليعكس الاستدامة والتطور في مجال البناء والتصميم الحديث بالإضافة إلى الحد من الأثر البيئي والوصول إلى الحياد الصفري الكربوني.

متحف المستقبل بدبي

يحتل مشروع متحف المستقبل في دبي الريادة في مجال الابتكار، حيث تم الاستفادة منتقنية التوأم الرقمي للبناء في تحسين كل جانب من عمليات البناء، من تحسين تصميم الهيكل وتفاصيله بشكل استباقي، بالإضافة إلى قدرة فريق المشروع على اكتشاف التحديات المحتملة مبكراً وضبط سير عمل البناء. ساعد هذا التطور التكنولوجي على رفع كفاءة المشروع بشكل لم يسبق له مثيل، ويعتبر متحف المستقبل مثالًا على إعادة تعريف حدود التميز المعماري ورسم مستقبل البناء بأساليب مبتكرة ومتطورة.

المقر الرئيسي لشركة بيئة

كشفت مجموعة “بيئة” في الشارقة عن مقرها الجديد من تصميم المهندسة المعمارية زها حديد. يتميز هذا المبنى بتوظيف أحدث التقنيات الرقمية لتحقيق الاستدامة البيئية، حيث تم استخدام توأم رقمي للمبنى كنسخة افتراضية من خلال استخدام البيانات والمستشعرات وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة المبنى وجدولة الصيانة الاستباقية له، ويعتبر تصميم المبنى كواحد من أكثر المباني صديقة للبيئة وفعالية في جميع أنحاء العالم، ويمثل معياراً جديداً للمكاتب المستقبلية.

مطار حمد الدولي

أطلق مطار حمد الدولي (HIA) في الدوحة بقطر مبادرته “منصة التوأم الرقمي” كجزء من برنامج المطار الذكي، وتوفر المنصة عرضًا شاملاً وفوريًا لعمليات المطار عبر واجهة تفاعلية ثلاثية الأبعاد، وتوفر رؤى وتوصيات لتحسين العمليات باستخدام التحليلات المتقدمة ودمج المعلومات من أنظمة المطارات المتعددة بالإضافة إلى التكامل السلس للتعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، مما يساهم في تعزز الاستجابة الفعالة للتنبيهات، واتخاذ قرارات فعالة ومدروسة لتحسين الكفاءة التشغيلية وإدارة الأصول والمرافق الحيوية للمطارات.

الخاتمة

تقنية التوأم الرقمي هي تكنولوجيا مبتكرة تغير طريقة تصميم وتنفيذ مشاريع البناء، وتعد التوائم الرقمية ركيزة أساسية لصناعة البناء المستدامة والفعالة. تساهم هذه التكنولوجيا الرقمية في تحسين تصميم وتخطيط المشاريع، وتعزيز التعاون بين الفرق المختلفة، مما يحسّن الكفاءة ويقلل من التكاليف ويحدّ من المخاطر. من خلال توفير الرؤى الفورية والتحليلات العميقة، تمكّننا التوائم الرقمية من اتخاذ قرارات مستنيرة والتنبؤ بالتحديات المستقبلية.

تمثل التوائم الرقمية مستقبلاً واعداً لصناعة البناء، لفوائدها في تحسين أداء المشاريع وتنفيذها بكفاءة ودقة عالية وسنشهد المزيد من التطبيقات المبتكرة للتوائم الرقمية في قطاع البناء.

يمثل الاستثمار في هذه التكنولوجيا خطوة هامة نحو تطور مستدام وذكي لصناعة البناء، مما يساهم في بناء مجتمعات أكثر عملية وحياة مستدامة للأجيال القادمة.

هل ترغب في رقمنة كافة عمليات مشاريع البناء والتشييد وإدارة العقارات؟ استخدم منصة PlanRadar مجانًا لمدة 30 يومًا الآن.